مِن المفارقات الغريبة في مسيرة العلم البشرية، انه على الرغم من مرور مئات بل آلاف السنين على اثبات كروية الارض وحقيقة دورانها حول الشمس مع بقية كواكب المجموعة الشمسية، ومرور ما يقرب من أربعة عقود ونصف على وصول أول انسان الى القمر، فإن هناك - ونحن في القرن الحادي والعشرين - من يشكك بذلك، ويظن ان الارض ساكنة لا تدور حول نفسها ولا حول الشمس،وان نزول (نيل ارمسترونغ) الانسان الاول الذي وطأت قدماه سطح القمر في تموز 1969 ما هو إلا صناعة سينمية مفضوحة، وأكذوبة أميركية انطلت على العالم،بل ان هناك من لا يزال مصرا على ان الأرض مسطحة لا بيضوية ولا كروية، أو انه لا يعلم شيئا عن هذه الحقائق حتى الآن!.
والأمر لا يقتصر على مواطنين بسطاء في بلدان متخلفة أو منغلقة، ولا على تفسيرات غيبية جامدة، فقد كشف استطلاع حديث أجرته المؤسسة الاميركية الوطنية للعلوم، ان ربع الاميركيين لا يعرفون ان الأرض تدور حول الشمس، وان 20% من الاميركيين لا يصدقون ان بلدهم نجح بإرسال رواد فضاء الى القمر في مركبة الفضاء (أبولو 11) ويعدون ذلك مجرد فيلم من افلام هوليوود، ووفق ما اوردته وكالة أنباء روسيا اليوم، فأن القائمين على هذه المؤسسة سيضعون هذه المعلومة امام الرئيس باراك اوباما، وأمام الكونغرس الاميركي قريبا،وقد أثار هذا الاستطلاع جملة من التعليقات المتباينة على مواقع التواصل الاجتماعي بين من يرى ان اشاعة نتائج مثل هذه الاستطلاعات ما هو إلا ضغينة اعلامية روسية، ومن يؤمن فعلا بأكذوبة دوران الارض وكرويتها ونزول الانسان على القمر، وبين من يعتقد ان غالبية الاميركيين أغبياء حقا في المعلومات العامة ولا تهمهم سوى امور حياتهم المعيشية اليومية، لكنهم سلموا امورهم الى قلة من الأذكياء، وذلك باعتقادهم افضل بكثير من شعوب ذكية سلمت مقاليد امورها الى قلة من الاغبياء!.
وأتذكر انني خضت جدالا بيزنطيا عقيما منذ خمسة عشر عاما مع مواطن أدعى ان الارض مكعبة وليست كروية، بعد ان نشرت وقتها مقالا عنه في جريدة (الزوراء) الاسبوعية، فقد كان الرجل يدافع بضراوة عن نظريته الجديدة ويقدم البراهين (العلمية) التي تدعمها، وازداد تمسكا بنظريته بعد ان خصصت له وقتها مجلة محترمة مثل (ألف باء) صفحتين لشرح نظريته،مع عرض آراء الفلكيين المتخصصين، وقد بقي الرجل على قناعته، وهو ينظر لي بكوني ساذجا في معلوماتي الفلكية، ومعاديا لآرائه العلمية الخطيرة، وعندما رآني مصادفة قبل عامين في شارع المتنبي أشاح بوجهه عني، لكنه بين الحين والآخر كان ينظر لي بنظرات من يقول: ها قد انتصرت أخيرا، وتبين بعد عصر الديمقراطية، ان الأرض مكعبة وليست كروية!.
يحدث ذلك كله، بعد سلسلة من تضحيات المفكرين في عصور التنوير لتبديل قناعات الناس الثابتة والمقدسة حول العديد من الحقائق الفلكية، وبعد مرور ما يقرب من اربعة قرون على محاكمة غاليليو غاليليه الذي اضطر للتراجع عن ايمانه بنظرية كوبرنيكوس التي تضع الشمس في مركز الكون والأرض تدور حولها، مفضلا انقاذ رقبته من حبل المشنقة بالقول أمام محكمة التفتيش انه يتراجع عن آرائه تلك، معلنا أمام القضاة ان الارض لا تدور حول الشمس.
كان غاليليو يضرب الارض بقدميه حانقا وهو يقف أمام قضاة محكمة التفتيش، ويردد مع نفسه هامسا: لكنها تدور!.
By accepting you will be accessing a service provided by a third-party external to https://alarshef.com/
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. - المقالات التي تنشر في الشبكة تعبر عن رأي الكاتب و المسؤولية القانونية تقع على عاتق كاتبها / الاتصال