على مقربة من قصر الباب العالي ( توب كابي ) في ميدان السلطان أحمد بمدينة اسطنبول يقع المبنى التاريخي العملاق ( آيا صوفيا ) الذي كان كاتدرائية ذات يوم ، قبل أن يتحول الى مسجد جامع بعد نجاح السلطان محمد الفاتح وقادته وجيشه من اجتياز أسوار وأبراج القسطنطينية إثر حصار إستمر لأكثر من خمسين يوماً ، وبعد معارك شرسة انتهت بمقتل الامبراطور قسطنطين وانهيار الامبراطورية البيزنطية الآرثوذكسية واستسلام المدينة في نهايات آيار سنة 1453 للميلاد واتخاذها عاصمة للدولة العثمانية بعد تحويل اسمها الى إسلامبول أو إسطنبول . واذا كان متحف توب كابي يضم نفائس الآثار الاسلامية وفي مقدمتها الأمانات المقدسة ، فإن كاتدرائية ( آيا صوفيا) التي تجاوره تقريباُ تشكل ببنائها الضخم وممراتها الداخلية وأرضيتها المرمرية وسراديبها وأعمدتها وأقواسها وشبابيكها ومقرنصاتها وأقواسها ولوحاتها الدينية المنقوشة على جدرانها وسقوفها وقبتها العالية أثراً عمرانياً فذاً لابد للسائح من زيارته فالكاتدرائية – الجامع تحولت الى متحف بقرار من كمال أتاتورك منذ العام 1935 يضم أيضاً مقتنيات اسلامية وزخارف وكتابات عثمانية ولوحات تحمل إسم الجلالة وأسماء النبي محمد (ص) والخلفاء الراشدين ، فضلاً عن مآذن اسطوانية على الطراز المعماري العثماني أضيفت الى بناء الكاتدرائية منذ اتخاذها مسجداً جامعاً لما يقرب من 482 عاماً ، علماً إن منظمة اليونسكو قد أدرجت آيا صوفيا منذ العام 1985 ضمن قائمتها لمواقع التراث العالمية ، إذ يعدها البعض ثامن عجائب الدنيا ، كما نسجت حولها العديد من الأساطير والحكايات الخرافية حتى إن الروائي العالمي الشهير دان براون صاحب رواية ( شيفرة دافنشي ) قد أشار اليها ضمن أحداث روايته الأخرى ( الجحيم ) . ومن الحكايات المنسوبة الى الامبراطور الروماني البيزنطي جستينيان الذي أمر بإعادة بناء آيا صوفيا للمرة الثالثة ، انه حين دخلها بعد إتمام بنائها في العام 537 م صرخ قائلا ً: ياسليمان الحكيم ، إشهد فقد تفوقت عليك ! ويقصد بذلك ان هذا البناء الذي أمر بتشييده ، يفوق الأبنية التي شيدها سليمان الحكيم مع ماسُخر له من جن وعفاريت ! في آيا صوفيا ( الحكمة المقدسة ) أو ( الحكمة الالهية ) قد تحتاج الى نهار بأكمله ان كنت من المتأملين لكل لوحة أو نقش أو زخرفة ، وقد تحتاج في موسم السياحة الصيفية الى الانتظار في طابور طويل من السائحين بانتظار افتتاح أبوابها من التاسعة والنصف صباحا ً حتى الساعة الرابعة والنصف مساءً عدا يوم الأثنين ، ويبلغ سعر تذكرة الدخول الى آيا صوفيا مايعادل عشرة دولارات تقريباً ، وبإمكان السائح أن يستعين بمترجمين يتواجدون عند أبواب المتحف ويعملون أيضاً كأدلاء سياحيين يرافقون السائح ويشرحون له معالم المتحف لقاء مبلغ يتفق عليه ، كما يتمكن السائح من استخدام جهاز ترجمة مزود بسماعة اذن يشرح له تلك المعالم بالتفصيل وباللغة التي يختارها ، غير إن أغلب السائحين لايفضلون استخدامه . آيا صوفيا ليست مجرد معمار عظيم يدل على براعة العمارة البيزنطية الممتزجة بطراز العمارة والزخارف الاسلامية ، إنما هي حكاية تلخص قصة صراع حضاري وتاريخي وعقائدي وروحي وديني وسياسي ، إنها معمار يحكي للسائح كيف يمكن لبناء من الحجر الأبكم والمرمر الأصم أن يكون شاهداً على نشوء الامبراطوريات وانهيارها ، وعلى انتصاراتها وهزائمها ، وكيف يتحول من كاتدرائية وكنيسة في زمان ما الى مسجد وجامع في زمان آخر ، ثم الى متحف في زمان أتاتورك ، وأخيراً في أيامنا هذه الى متحف ... لكنه يرفع الآذان في أوقات الصلاة !