عندما كنا صغارا كنا نبتهج لرؤية صور قديمة لاجدادنا او للابوين وهم أطفال او لاصدقائهم وكنا لا نسال من هذا ومن ذاك لانه كان يكتب خلف الصورة الى اليمن وقوفا هذا فلان و الى اليسار جلوسا فلان كانت طريقة ذكية لمن اخترعها لهذا سافعل ذات الشيء واعرف على أصدقاء الكلمة الذين تعرفت بهم في المنتدى الثقافي بابوظبي .
الصورة تقول من اليمين الدكتور فؤاد الاعظمي ( تربوي ) من لبنان الأستاذ واصف باقي ( شاعر ) من سوريا والدكتور عاكف صوفان (روائي ) من سوريا ثم الدكتور فالح حنظل ( مؤرخ ) من العراق .
لقد جمعتنا الكلمة والفكر ولكل واحد فيهم كان له شخصيته ونهجه في مسلكة وفي حياته وفكره وأيضا في كتاباته الدكتور عاكف صوفان هو واحدا ممن الذين درسوا في جامعة السوربون الفرنسية والذي اصبح معيدا فيها أيضا ثم انتقل للعمل في التربية بدولة الامارات كان يتقن لغات عديدة وكان ذكيا طموحا وكريما ذو شخصية رزينة هادئة حكيما وصديقا وفيا صاحب صوت منخفض لايكاد يسمع وله هدوئا غريبا عجيبا ظاهرا وملاحظا للجميع .
اكتشفت هذا الهدوء حين كنا نلتقي بعد ان تنتهي المحاضرة في المقاهي التي كنا نختارها لنتبادل الآراء والأفكار ونقدم لبعضنا البعض مؤلفاتنا ذات لقاء التفينا حول منضدة بيضاء دائرية نحتسي الشاي اهدانا الدكتور عاكف روايته "الرصيف الباريسي " الذي تحدث عنها باقتضاب شديد وبصوت منخفض اضطرينا جمعينا لنقترب منه لنتمكن من سماع ما يقوله واستمرت لقاءاتنا تلك التي عرفتنا اكثر على بعضنا البعض واصبحنا كالاخوة نتحدث عن اوضاعنا وعائلاتنا ومشاكلنا وكثيرا ما كان يرافقنا الهرج والقاء النكات والضحك في تلك الجلسات الجميلة والتي لاتنسى .
قررت في اخر شهر 7 من عام 2006 السفر الى فرنسا واخترت باريس لقضاء الاجازة فيها بعد ان ازور المانيا التي بقيت فيها أسبوعا وعدت الى باريس بالقطار السريع اخترت فندقا في شارع الدفاع الجميل وسط باريس وبدات بزيارة حدائقها الفائقة الجمال باستمتاع كبير .
ذات يوم عدت الى الفندق لاجد الدكتور عاكف جالسا يحتسي القهوة مع عائلته كانت مفاجئة كبيرة لي وله وقررنا بالايام المتبقية لنا ان نقضيها معا في الترحال والتجوال فهو يعرف باريس حق معرفة وفرض علينا ان نستيقظ مبكرين كي ننطلق في الصباح الباكر للسياحة فيها وكنا لانعود الا اخر الليل متعبين ولا نستمع الى الاخبار ولا نقرأ أي صحف رغم تكرار طلبي للفندق ان يدع الصحف عند باب غرفتي دون جدوى .
بقينا على هذا الحال فترة لابأس بها واصبحنا نبتعد اكثر لنكتشف باريس اكثر واكثر الى ان وصلنا الى قصرا قديما مذهلا تغير و قلب حاله الى فندق وفتح مقهى خارجه جلسنا لنرتاح ونشرب العصائر لان الحرارة كانت مرتفعة ولكي اتمكن من التقاط الصور لهذا القصر التحفة بجلستنا هذه وبالقرب منا تعرفنا على عائلة اميريكية كانت في رحلة سياحية هي أيضا مع أطفالها المشاغبين الكثر غادرنا المقهى بعد ان تعارفنا تبادلنا ارقام هواتفنا وعدنا للفندق بوقت متأخر من ساعات الليل متعبين لنكتشف ان الحقيبة اليدوية الصغيرة للدكتور عاكف قد نساها في المقهى والتي فيها جواز سفره كدت أصاب بانهيار عصبي حين اخبرني بذلك بكل هدوء وسكينة .
قال : لاداعي للعجلة غدا نذهب الى نفس الفندق ونبحث عنها و دون شعور مني
صرخت قائلة : انه جواز سفر يادكتور كيف ننتظر للغد ؟ من اين لك هذه الاعصاب ؟
ابتسم قائلا : لا عليك سنجدها و لم يمضي الليل الا وجاء اتصال من الرجل الأمريكي يخبرنا ان الحقيبة كانت مع ابنه الصغير واعتذر كثيرا واحضرها لنا بنفسه للفندق .
مضى يومان على عودة الحقيبة فقررنا زيارة الجنوب الفرنسي استيقظنا مبكرين جدا وصلنا الى محطة القطار والنوم مازال في عيوني القيت نظره على الصحف غير مصدقة كانت صورا لاشتعال الحرب في لبنان وصورا لنيران كثيفة للوهلة الأولى لم اصدق ما أرى وبدأت افكر باهلي والدم يغلي في عروقي .
قلت : يالهي ماذا يجري ان الحرب انفجرت في لبنان ؟
فاجابني : بكل هدوء لا اعتقد ذلك فنحن لم نسمع شيئا اعطيني الصحيفة لارى
قلت : ومن اين سنسمع ونحن طوال الليل والنهار في سياحة مستمرة لن اذهب الغي الرحلة للجنوب الفرنسي لنعود للفندق ساعود لدمشق فورا ؟
امسك بيده الصحيفة قائلا : لقد اعتدنا الاعتداءات على لبنان كان الله بعونهم .
قلت : بالله عليك كيف تأخذ الأمور بهذا الهدوء وهذه الاعصاب من يومين فقدت جواز سفرك وكأن شيئا لم يحدث واليوم حرب مشتعلة وانت بنفس الهدوء ماهذا يا اخي ؟ ابتسم ولم يجيب بكلمة عدنا للفندق الذي كان يعج بالناس ولم يعد يوجد أي غرفة خالية في الفندق فقررت قطع اجازتي وبدلت خط سير الرحلة من الامارات الى دمشق فورا وفي صباح اليوم الثاني رايته جالسا في بهو الفندق يدخن ويكتب في روايته الجديدة بهدوء شديد شكرته على كل ماقدمه لي نظرت الى اسم الرواية التي كان يكتبها كانت "العائد من ميونخ " صافحته مودعة مشى معي تاركا أوراقه واقلامه وحتى أفكاره خارج الفندق استقليت تكس صافحني بحرارة على امل ان نلتقي في الامارات فتحت النافذة وثمة كلام في فمي كنت اريد ان أقوله له انني والله احسدك حسدا كبيرا على هذا الهدوء وهذه الاعصاب و أتمنى ان تطلق عنونا اخر لروايتك التي تكتبها العائد من ميونخ وبدلا من هذا الاسم اطلق عليها العائد من جبل الجليد لكنني .... خجلت
مريم محيي الدين ملا
روائية سورية